الجمعة، 18 نوفمبر 2011

الـطــــابـور

أشرقت شمس الصباح لتبعث الدفء في أركان هذا الشتاء قارس البروده
ولتنهي موجه الصقيع العارمه التي اجتاحت الشوارع في الليالي الأخيرة
,
وجدها كثير من الناس فرصه جيدة لاحضار بعض أرغفه العيش فتزاحموا عند الفرن ..
كل يريد ان يأخذ حصته ويرجع الي دفء البيت ..
لكن الأمر يطول قليلا كما هي العادة
,
شارع ضيق
وزاد من ضيقه هذا الزحام
فالطابور يصل لمنتصف الشارع تقريبا , أعداد بالمئات تتكالب لنيل بعض الأرغفه

عند مدخل البيت الرابع من اول الشارع يقف ثلاثه فتيان قد حجزو اماكنهم فى الطابور ثم وقفوا يضحكون بعدما طرح احدهم الاخر أرضا فاتسخت ملابسه
,
بعدهم ببنايتين يقف عم عبده .. يرتكن الي الحائط
لا يجد متسع يجلس فيه ولا يستطيع مواصله الوقوف بعدما وهنت ساقاه ونال منهما المرض ..
ذهب الي (لانشون) عامل التوزيع في الفرن يستجديه , ورغم أن الرد كان معتادا الا انه صادما بالرفض التام بل والسخريه اللاذعه ايضا وبعض من ادعاء الالتزام بالطابور والنظام وما الي ذلك من ترهات يتفوه بها جاهل

في منتصف الطابور تسمع حوارات رتيبه عن السياسه وأحوال البلد
وتتبادل الأراء وتتباين ما بين الأستاذ سيد والأستاذ موافي

علي بعد ثلاثه أشخاس في الطابور يقف الأستاذ نصر مفتش التموين السابق .. يتذمر من طول الوقوف وقله الناتج فبعد هذا الصبر يتجلي فى النهايه (جمعه) ومعه بـ جنيه عيش هو حصه الفرد بعد انتهاج سياسه فصل الانتاج عن التوزيع التي لم تجد نفعا مع هذة الجموع الغفيرة
التفت الاستاذ نصر الي الرجل الواقف خلفه محدثا اياه : كنت مفتش تموين زي الراجل اللي خارج ب 5 ج عيش في ايده ده وكنت بعمل زيه بالظبط عشان ماكنش حد بيقولي لا
وماحستش بالموضوع الا لما طلعت معاش وبدأت أقف في الطوابير عشان كدا مش لازم نسكت ابدا لو الموضوع طول كمان ربع ساعه انا هاكلم البوليس ومباحث التموين دانا هاعملهم فضيحه هنا وياسلام لو جم ولقو العيش وزنه اخف من المعايير ولا لقو مفتش التموين خارج بالعيش دا كله في ايده ولا ولا ولا
دول في كل حته في راسهم بطحه
توقفت سيارة بيضاء خرج منها رجل يرتدي حله انيقه تبدو غاليه الثمن مثل سيارته , أشار بيدة الي (لانشون)فجاء مسرعا بقفصين عيش وضعهم في شنطه السيارة وصافح الرجل وعاد الي موضعه امام الطابور يعيد النظام غير آبه بالهتافات وبعض الشتائم بين الحين والأخر

علي الجانب الآخر طابور السيدات الذي يشبه خليه النحل من كثرة الاصوات(الرغي)ء
فى المقدمه 3 او 4 نساء تبدو عليهن أثار الحضر ممكن يأتون ليأخذو العيش كطعام للطيور

يأتي من بعدهن أم ابراهيم التي تحمل ابراهيم علي يدها طوال الطابور ,
لم تستطع تركه وحيدا فى المنزل وهو لم يبلغ العام الأول بعد

تليها فى الطابور الحاجه لطيفه التي افترشت الارض منذ وصولها فهي تعلم انه لا جدوي من الوقوف الذي لن تحتمله حتما بعد بلوغها السبعين من عمرها وجاورتها اثنتين او ثلاثه ممن انهكهن التعب فأثرن الجلوس حتي لو علي الارض

في نهايه الطابور بعض الطالبات ,مغتربات كما يبدو , جاؤ من الجامعه بعد يوم دراسي شاق الي الفرن رأسا الارهاق باديا عليهن وبعد هذا الطابور الطويل فاليوم المنهك لم ينته بعد مازال عليهم اعداد وجبه الطعام الاساسيه والوحيده تقريبا لليوم الدراسي المعتاد

من بعيد ظهرت تلك السيدة التي يكرهها معظم من اعتادو الشراء من هذا الفرن .. تمشي بتؤدة تتدحرج في عبائتها السوداء كبرميل جاز كريه الرائحه تماما كلسانها الذى لا يصدر عنه الا بذىء الكلام ,
وقفت ما بين طابور الرجال والنساء تنادي (لانشون) يحضر لها ما طلبته مسبقا
,
تبعتها ابنتها .. وهي نموذج مصغر من أمها عدا انها اجمل بكثير .. تمشي بتمهل هي الأخري
تتمايل في عبائتها السوداء ..
يراها الفتيان الثلاثه من كانو يضحكون فى أول الشارع فيأتون ورائها مطلقين بعض الجمل المعتادة عند معاكسه الفتيات والتي حفظوها قبل أن يحفظو اسمائهم
,
لم تعيرهم الفتاه أي انتباه فقد اعتادت مثل هذا الأمر وهو يرضيها في كثير من الأحيان ..
وصلت الي أمها ..
همست اليها عن الفتيان الثلاثه فاطلقت الام بعض السباب البذىء والتفتت تلتقط قفص العيش عندما اقترب اكبر الفتيان سنا من الفتاه واضعا يده عليها وهو يهمس في اذنها ببعض الكلمات
ردت عليه الفتاه بصفعه قويه .. قابلها هو الآخر بمثلها
..
وقع الفتي واصحابه في براثن الأم التي انهالت عليه ضربا هي ومن عاونها من النسوة بينما اختفت الفتاه برهه
عادت الفتاه بصحبه 4 رجال يحملون أسلحه بيضاء .. تري انعكاس انصال اسلحتهم كما تري النجوم تومض في السماء.. تقدمو سريعا من الفتيان الثلاثه وانهالو عليهم
وتطايرت الدماء علي كل من لم يهرب بعد
..
علي الصراخ وهرول الجميع في كل جانب ..
الشارع ضيق
والزحام شديد
وجراء التدافع ارتطمت رأس عم عبده بعامود الانارة ارتد عنه ملقي علي الارض تطؤة الأقدام
..
الحاجه لطيفه لم يسعفها الوقت لتقف فسقط عليها كثير من النسوة الاتي يسبقنها في الطابور
..
ام ابراهيم تلقت دفعه قويه فى ظهرها فسقطت علي ابراهيم ..

أغلق (لانشون) ابواب الفرن علي نفسه وزملاءه العمال
وفر الجميع من المكان

صوت بوق الشرطه ياتي من بعيد ..
لم يبق في الشارع سوي من لم يستطع الحراك

تغير الجو وازدادت سرعه الرياح .. تبعها فى دقائق هطول الأمطار بغزارة
راحت تمسح أثار الدماء التي مازالت تسيل من جراح الفتيان الثلاثه

عم السكون ارجاء المكان لا يشقه سوي بوق سيارة الشرطه
وقف أمين الشرطه يتأمل المشهد

عم عبدة ملقى على الارض فى جانب الشارع ..

قربه بخطوات الحاجه لطيفه والتي ليست بأحسن حالا منه ..

وعلي مقربه منهما جلست ام ابراهيم تصرخ وتلطم خديها وتمرغ وجهها في الطين

وصلت سيارة الاسعاف أخيرا
..
حملت ثلاثه فتيان انهكم الجراح

وثلاث جثث لا حراك فيها


وأم مازالت تلطم خديها






· 

هناك 14 تعليقًا:

  1. مممممممممم
    حدوتة مصرية :(
    تسلسل رائع ماشاء الله

    ردحذف
  2. للأسف واقع نفسى ماعدتش أشوفه تانى
    تقريباً طوابير العيش بقت بصمة مصرية
    واللى ماوقفش قبل كدة فى طابور .. مايبقاش مصرى
    وياريتها طوابير فى العيش وبس !

    تسلم إيدك يا محمد
    دايماً كدة بتيجى ع الجرح :(

    ردحذف
  3. سها
    منورانى والله :D
    يارب يكون باقى السلسله عاجبك :D

    ردحذف
  4. إيمان
    حياه المصريين بقت طوابير .. ومع ذلك لحد دلوقتى ماعندناش ثقافه الطابور :D
    كل اللى بنعمله بنتضايق ونتخنق و ... ونشتم
    لكن حتى ماعندناش حته احترام تقلل من حدة وتوتر الطابور

    ردحذف
  5. التصوير اكثر من رائع صورك المره دى واقعية لدرجه مفزعه الكلمات رسمت الواقع و كانه صوره تفاصيل دقيقه بسيطه بس اضفت عليه شىء غريب وكانك شايف الأحداث وللمره الاولى ظنيت انك بدات تخرج من قالب الحزن الغالب على المدونه بس للاسف خاب املى فى نهاية التدوينه بس غض النظر عن النقطه دى تحديدا انا شايفه انها رائعه مختلفه عن كتاباتك السابقه نقله فى الأسلوب و المستوى واداء الكتابه و اتمنى اقرى لك بورتريه مرسوم بالكلمات تانى لأنه فعلا كان اكثر من رائع بالتوفيق

    ردحذف
  6. قصة تبدأ كمسلية وثم تنتهي بمأساة ..

    كل هذا من أجل رغيف خبز ..

    أعجبتني القصة وأسلوبها السلس ..

    ربنا يصلح الأحوال يارب ..

    ردحذف
  7. غير معرف :)
    انا قرأت التعليق كتير جدا وكل مرة ببقى مش عارف ارد اقول ايه .. مبسوط بالتحليل دا :D
    قالب الحزن الغالب على المدونه هي كانت ومازالت حاله عابرة وسترحل يوما ان شاء الله
    شكرا جزيلا على قرائتك وتعليقك :)

    ردحذف
  8. وجع البنفسج
    الواقع في حياتنا على اد ماهو مسلى على اد ماهو قاسى ودا من اللى بنشوفه كل يوم
    بتمنى انى اقدر اوصف كل مأساه بشوفها بعيني ..

    نورتيني ;)

    ردحذف
  9. انا فالاول فكرتها هاتبقي حاجة كوميدي او وصف موقف عابر .. بس للاسف انتهت نهاية بتحصل كتير فـ مصر والسبب العيش اللي هو أبسط حقوق البني ادم !!
    يااااااااارب نشوف مصر بتتغير و كل الحاجات دي بتختفي :(
    ..
    بجد تسلم ايديك / مع انك وجعتني !
    بس بجد رااائع و واقعي :)

    ردحذف
  10. ندي

    شكلك اول مرة تدخلى المدونه ... انتى عاوزانى انا اكتب حاجه كوميديه
    على آخر الزمن :D

    يارب يبقى تغييرنا دايما للأحسن
    منورانى والله .. شكرا على قرائتك وعلى الكومنت الجميل واشوفك هنا دايما بقى :)

    تحياتي

    ردحذف
  11. اها والله فعلا مدونتك كانت تايهة مني وسط الزحمة ! بس أكيد من المتابعين دايما ان شاء الله :)
    ووراك لحد ما تكتب حاجة كوميدي .. عشان انا مش بعرف اكتب كوميدي / لازم حد فينا يغير مساره ^^

    ردحذف
  12. طيب يبقى تغيري انتى أسهل :D :p
    انا صعب شويه :D

    ردحذف
  13. عجبتني اوي تسلم ايدك افكارها متسلسلة وكلماتها بسيطه واحلي حاجه فيها انك نقلتني فجاة من الضحك للحزن ودي ميزة علي فكرة في الكاتب

    ردحذف
  14. zoza
    رأيك دا شهادة اعتز بيها بجد
    شكرة على زيارتك وعلى التعليق الجميل

    تحياتي :)

    ردحذف