السبت، 8 أغسطس 2015

التجريدة

( تفتيييش تفتييييش يا محمود يا عبدالرحمن يا عصام  تفتيش يا شباب استيقظوا بسرعة  )

يستيقظ الجميع بسرعه يخفون ما يستطيعون قبل أن يسمعوا صوت فتح ترباس الزنزانة فيقف كل منهم في مكانه .. ينادي عليهم الضابط أن اخرجوا جميعا دون أن تأخذوا شيئا من متعلقاتكم فهذة ( تجريده ) وليست مجرد تفتيش

يأخذنا جميعا خاليي الوفاض إلي زنزانة أخري دون أي من متعلقاتنا التي جمعناها خلال عام كامل .. ملاءات – ملابس – وعاء لحفظ الطعام من الحر – حقيبه لحفظ برودة الشراب والمياة – كتب وأوراق – مصاحف – سجاجيد الصلاة – ساعة إلكترونيه جديدة – حذاء أبيض جديد  .. ما هذا !! - يصرخ أحد المخبرين -  هاتف !! تخفون هاتفاً ً !! لمن هذا االهاتف ؟؟

يتقدم عبدالرحمن مسرعاً قبل أن أنطق بكلمه .. هذا هاتفي انا  

أنظر له مندهشا لكني لا أتكلم احتراماً لكلمته .. يذهب عبدالرحمن مع اثنين من المخبرين إلي زنزانة التأديب عقابا علي إخفاء الهاتف , سيظل هناك أسبوعاً انفراديا دون طعام سوي رغيف خبز وقطعه جبن وسيمنع من الزيارة ل45 يوماً آخرين لن يري فيهم أهله


تمر ساعات الصباح بطيئه .. خيم الوجوم علي رفاق الزنزانة , الكل حزين لغياب عبدالرحمن أسبوعا كاملا في مقبرة التأديب هذة وأنا .. وأنا أشعر بالذنب .. ذهب عبدالرحمن بدلا مني كي لا أحرم أنا من زيارة زوجتي وأبنائي وهو لا أحد يزوره ..

مسكين هذا الفتي .. لكنه صلب .. سيدعوا لنا من محبسه وسيقبل الله دعاء تقي نقي مثله .

أشعر بالحزن الشديد .. تنقلب علي ذكرياتي .. استبد بي الشوق لرؤية أمي , لم تستطع أمي زيارتي منذ أن أتيت إلي هنا لمرضها لذا خاطرت وأخفيت هاتفا كي أستطيع مهاتفتها والإطمئنان علي حالها , اهفوا لحضنها .. الكون كله هو , صوتها يداعبني أثناء نومي حين تأتيني أكون صغيرا وتكون في عافيتها وشبابها ,أجري عليها أرتمي في احضانها ثم أنام بين ذراعيها , يأتي شيطان قوي ينتزعني من بين ذراعيها انتزاعا .. تبكي .. أبكي .. اصحو من نومي يأكلني الحزن علي بعدها .. تنقلب علي ذكرياتي اليوم

تراودني ذكري زواجي من الحبيبه .. لا أجد ما أصفها به سوي أنها أجمل ما في .. لا أدري لو لم تكن رفيقة دربي  كيف تكون الحياة حينها !!

تقفز إلي ذهني ضحكات أبنائي .. فاطمة .. رحمة .. عمر .. خالد , تتقطر الدموع ساخنه من مقلتي دون أن أشعر .. انزوي أكثر في ركن الزنزانه وانا أخفي وجهي , لا أريد ان يراني الشباب حين يعودون من الزيارة في لحظة ضعفي هذة فانا هنا من يشد من أزرهم انا أكبرهم سنا وأكثرهم ثباتا .. ولكن حتي انا تراودني لحظات ضعف يأكل فيها الحزن من قلبي ما يأكل وتذرف عيني الدموع دون توقف.

عادوا بعد لحظات ولكن ليس كما اعتدهم بعد الزيارات .. لا فرح لا ضحكات !! ماذا بكم يا شباب !!

يتقدمهم عصام ليحتضنني بشدة .. ماذا هناك يا ولد !!
يتحدث محمود أخيراً , البقاء لله يا أستاذنا .. والدتك في الجنه ان شاء الله
لا أدري ماحل بي حينها .. كيف أصف وجعاً مثل ذلك !!
 أردد إنا لله وإنا ليه راجعون دون توقف ..
تنهمر دموعي دون توقف ..
قلبي ينقبض ألما ولوعه ..

أنظر إلي السماء من بين قضبان النافذة , أريد أن أقفز خارجا لأري والدتي ولو لمرة أخيرة  يتدخل محمود فيقيم لصلاة المغرب ونتجمع لنصلي جماعة , قدموني للإمامة كما اعتادوا , آيات القرآن تخترقني .. تطفىء نيرانا تلتهب بداخلي .. تأخذني من وهني شيئاً فشيئاً
وكأن الله أجري علي لساني تلك الآيات خصيصا ليغسل بها ضعف قلبي ..
بكيت وبكوا جميعاً ودعوت علي الظالمين في نهاية الصلاة وكنت أسمع التأمين من السجن كله فيهتز كما يهتز الظالم من سماع كلمة الحق

انتهت الصلاة ..

عدت إلي ركن الزنزانة أقرأ القرآن وعيني علي تلك النافذة ذات القضبان الحديدية وانا علي يقين أني قريباً .. قريباً جداً سأنظر لها مجدداً 
لكن ليس من الداخل هنا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق