الاثنين، 17 أغسطس 2015

الـــزيـــارة

الزيارة

ما سأروية من تفاصيل صغيرة قد لا يشاركني فيها الكثير .. لكن ما يبدوا لي أثناءها أنّا كثير .. جداً

جرس المنبه يشق سكون الليل , وسكون الغرفه , الساعه الآن الواحدة بعد منتصف الليل , تقوم أمي من فورها تجهز ما تبقي من الطعام وتعد حقائب السفر وانا أكمل نومي لساعه أخري حتي تنتهي أمي من تجهيزاتها , يرن هاتفي في الثانيه والنصف بعد منتصف الليل ليخبرني أحد الأصدقاء ( إجهز فنحن قادمون إليك ) أرتدي ملابسي بسرعة البرق ورسي تداخله بقايا النوم والإجهاد
آخذ الحقائب وأمي وننزل لنركب السيارة نبدأ رحلتنا الأسبوعية إلي القاهرة .
نصل غالبا في الخامسه والنصف أو بعد ذلك بقليل , نقف في الطابور أمام بوابة حديدية سميكة وصغيرة تتكالب عليها أمم من البشر , من كل صنوف البشر , طابور للرجال وطابور للسيدات , طابور الرجال يغلب عليه الهدوء , طابور السيدات يغلب عليه الصياح والصريخ والشجار , هكذا الحال دوما , أفراد يأتون من خارج الطابور فيندسوا في اوله دون وجه حق . ثم يبدأ الشجار اليومي وتنهال الدعوات والسباب وفي كثير من الأحيان تنطلق الأيدي لتضرب وتشد وتعبث .

في الثامنة تماماً يفتح البوابه عسكري ضئيل الحجم تبقي له من مدة خدمتة عام ونصف يغلبه النعاس يمسك بنصف رغيف خبز يأكله كفطور مؤقت حتي يحضر له اي من زملاءة أي شىء آخر , نبدأ في الدخول إلي غرفة التفتيش أثلاثاً نضع هواتفنا في غرفة الأمانات ونمرر الحقائب من خلال جهاز تفتيش كذلك الذي تراه في المطارات , تفرغ الحقائب وتخلع نعليك لتضعهم في الجهاز ثم يفتشك مخبر ما ليضع يده في كل مكان في جسدك بحثا عن هاتف مهرب او اي شيء آخر , تعبىء الحقائب من جديد وترتدي نعليك فقد اجتزت المرحلة الأولي بنجاح .
ندخل الي الكافتيريا , نهدأ قليلا ونجلس في انتظار الطفطف ليأخذنا إلي المبني المنشود , المباني هنا كثيرة , الأسوار سميكة عاليه , المساحات شاسعة , تظن من الوهلة الأولي أنك في مدينة صغيرة داخل المدينة وأن المكان هنا جميل واسع والجو رائع وبالتأكيد ستقضي وقتا رائعا لكنك فيما بعد تكتشف أن المساحات الشاسعه هذة للطرقات فقط وأن الجو الرائع للعاملين فقط وأن المدينة الصغيرة ماهي إلا سجن كبير يقبع في داخلة أطهر البشر .. وأكثرهم جرماً
تناقض غريب .. ها
التناقض الأغرب هو في معامله الناس هناك لك , الجنائيون يعاملونك بتعالي .. نعم بتعالي فهم في هذا المكان أفضل منك ولهم حقوق عنك , أنت وذوي كل المعتقلين السياسيين .
في بداية الأمر كان كل شىء متاح لتأخدة معك أثناء الزيارة .. طعام وشراب وخضار وفاكهه وأدوات بلاستيكيه وملابس وأشياء حياتيه كثيرة , ثم انقلب الأمر فلم يعد من حقنا أن نأخذ سوي وجبة مطهيه فقط .. لا طعام كثير لا فاكهه لا خضروات لا عصائر لا ملابس لا ملاءات او فرش .. لا شىء سوي وجبه مطهيه فقط وبعض الغيارات الداخلية .
بعد مرور مده ما افتتح في غرفة الزيارة (كانتين) يوجد به كل ما تم منعك منه مع اختلا الأسعار بالطبع واختلاف الجودة .

آآه أخذني الحديث , سأكمل من حيث توقفت , كنا نتحدث عن اجتياز المرحلة الأولي بنجاح , نجلس في الكافيتيريا في انتظار الطفطف ليأخذنا إلي مبني السجن المنشود فالسجون هنا كثيرة , يأتي الطفطف ونذهب , يسير بنا حوالي 400 مثر وقبل التوقف ب50 مترآ أو أقل يقفز الشباب والرجال والسيدات من الطفطف ليحجزوا مكانا متقدما في طابور التسجيل , منهم من يقفز بنجاح ومنهم من تستقبلة الأرض استقبال الفاتحين .. طابور التسجيل طويل وله اعتبارات خاصه , إذا كنت تريد الزيارة الأولي فعليك الجري أسرع من الآخرين , إذا كنت تريد شراء فاكهه غير فاسدة أو طماطم ( مش مفعصه) فعليك أن تجري أسرع من الآخرين , إذا كنت تريد أن تجد مكاناً تجلس فيه بأريحية فعليك ان تجري أسرع من الآخرين . اعتبارات كثيرة وحسابات كثيرة ونتيجة واحدة .. انت تجري أسرع من الآخرين .

تمت المرحلة الثانية بنجاح , مرحلة التسجيل , تجلس في استراحة قذرة مليئة بغائط الصغار ,في أولها حمامان تفوح منهما رائحه عطرة بالتأكيد ساعة أو ساعتين حتي تسمع اسم مسجونك الخاص فتذهب بمتعلقاتك إلي بوابه السجن الخشبية وتضع حقائبك في جهاز آخر كالذي تراه في المطارات ثم تفتش أنت الآخر مرة أخري ثم تقف امام مخبرين أو ثلاثة يعيثون في متعلقاتك بحثا , يقلبون طعامك مرة بملعقه خشبية ومرة بأيديهم , يفرغون حقائبك تماماً بحثا عن أي جبن مهرب أو كيس عصير هنا أو هناك فأشياء مثل ذلك قد تساهد في هدم منظومة السجن كاملة .. أسلحة خطيرة كالجبن والعير لا يجب ان تدخل مكانا حصيناً كذلك.
تاخد حقائبك وأشياءك وتدخل غرفة الزيارة تعيد ترتيبها من جديد , تشتري ما يتاح لك من الكانتين وتجلس في انتظار بدء الزيارة والتي تبدأ في تمام الثانية عشرة أي بعد مرور 6 ساعات ونصف من وصولك عند البوابة الخارجية .
يأتي الرجالو الشباب بثياب بيض تحسبهم آتون من الحرم من أنوار وجوههم النضرة وبياضهم الناصع نظراً لعدم تعرضهم لآشعة الشمس فترات طويلة , أحضان تواقة , مشاعر مختلطة , نصف ساعة ثم تبدأ أصوات جهيرة بالصراخ ( الزيارة انتهت ) تشرع في السلام الأخير ثم تذهب , تنتظر خارجا لنصف ساعة أخري او يزيد حتي تأخذ بطاقتك الشخصية وتركب الطفطف عائداً من حيث أتيت .


هكذا هي الزيارة



هناك تعليق واحد: