الاثنين، 11 فبراير 2013

من غد لا تخـــــاف







رصدوا جسما غريبا كبيرا يقترب من الارض .. وبسرعه فائقه

كبير لدرجه أنه يفوق حجم الأرض مرات عده


كبير لدرجه انه لن يتغير مساره اثر انفجار نووي او اثنان او كثر

كبير لدرجه انهم عجزوا عن التفكير في اي حل يزيحه عن مساره هذا , أو يخفف من سرعته نحونا
كبير لدرجه انهم في حيرة كيف عجزت أجهزتهم المتقدمة عن رصده .. كيف عجزت أسلحتهم المتطورة عن الفتك به
يتكلمون كثيرا هم عن حلول فاشله .. عن تجارب عده لم تنتهى الي شيء
وفي النهاية طلوا علينا من جميع قنوات التلفاز ليعلنوا الخبر .. ليس بيدهم حيله
أقدارنا الآن في يد المولي عز وجل .. كما كانت دوما  

انها النهاية

خلال ايام لا تتعدي أصابع اليد الواحدة .. سيحدث الإصطدام

لنا ان نفعل ما نشاء .. في موقف كهذا الجميع في حل من أي ارتباط
الكل اصابه الهلع .. كل جماعه اتخذت توجها معينا .. وظللت انا وحدي




****************************

   أسِرَّّة متناثرة هنا وهناك ..
   أشخاص كثر يهرولون ذهاباً وإياباً ..
   أضواء خافتة وتنقطع ..
   أصوات مختلفة متلاحمة تشبه أزيز النحل ..
   معارك ضارية تتأتى دور برأسي , أشعر بأنه سينفجر ..
   
آلام مبرحة تنخر فى عظام جسدي واحدة تلو الأخرى .. لا أدرى كيف أواصل طيلة هذا الوقت دون راحة أو نوم ؟! .. وحده الله يعلم
   من بين أزيز النحل وخيالات البشر التي تحوم حولي

   أسمع إسمى يُنادى فى مكبِّـر الصوت : د/ علاء محسن مطلوب في مكتب د/ خالد طاهر الدور السابع
   أرتشف رشفة أخيرة من كوب قهوة كنت قد نسيت وجوده في يدى .. أقف أمام باب المصعد منتظراً وصوله
   الدور السابع يعنى وجود عملية جراحية جديدة وستكون معقدة بالأحرى
طالما سيقوم بها د/ خالد ..
   
لا أدرى ما الجدوى من كل هذا ؟! .. ماهم إلا يومان وينتهى كل شىء .. مازال
هؤلاء المرضي يتشبثون بالحياه من أجل ماذا !! .. هي زائله على كل حال
   فليقضوا هذين اليومين على أي وضع وليكُن بعدها ما يكون
   لمَ مازلت أتبع أوامر د/ خالد .. لا أدرى .. أعتقد أنه فى هذه الظروف التى لا مثيل لها أنا فى حل من أي عقد أو وعد

   فقط لو كانت خطوط الطيران تعمل , كنت لأطير من فورى إلى أهلى بالسعودية ..
   أمي وزوجتي كانتا يعتمران وآثرتا المكوث إلى جوار بيت الله الحرام طالما أنها آخر الأيام

   أخي إلى جوارهم يرعاهم وأنا هنا أُجابه الموت وحدي فى غرف عمليات مقيتة .. لأكون سببـاً فى إطالة حيـاة أناس لا أعرفهم .. أناس كُتب عليهم الموت الآن .. أو بعد يومين

   يُخرجنى صوت المصعد من استيعابي لحياة زائلة على كل حال

   ********************************

   د/ خالد يبتسم ابتسامته المعهودة التي لا تفارق وجهه .. كيف يستطيع الإبتسام وهو مقبل علي الموت ؟!..
   لمَ لمْ يقضِ آخر ساعات فى حياته إلى جوار أهله وهو يستطيع ذلك .. أم إنه اعتاد الرحيل عن الوطن والعيش في كنف أجهزة القياس وغرف العمليات وأدوات
التعقيم ؟

   يخترق أذنى صوته :
   " دورك كبير فى هذه العملية .. أنا أعتمد عليك يا بطل "
   
أنقاد بسهولة أمام بساطة أسلوبه وابتهاجه الغير مُـبرَّر .. شعور متباين ينتابني تجاهه بالراحه والإستفزاز ..

   فى غرفة التعقيم يعطينا التعليمات الأخيرة .. يرن هاتفي
..
   كانت مفاجأة أن يرن الهاتف وقد انقطعت الإتصالات طيلة الثلاث أيام الماضيـة ..ينظر إلىّ الدكتور نظرة عتاب وأردها بنظرة اعتذار .. إنها أمى !
   أرد بسرعه متهلل الأسارير .. كم أشتـاق إليهـا !
   تطالعنى أمى بخبر أسقط فى قلبي صنوفاً من العذاب لم أختبرها بعد .. مرضت زوجتي بشدة منذ يومين ولم يدرِ الاطباء ما بها .. فتركوها حتى آثرها الله 

علينا ..
   أوصت أمى أن توصلني رساله ( أخبريه أن يسامحني فقد قصرت في حقه
كثيراً .. لم أكُن الزوجة التي يتمنى ولم أنجب له طفلاً كان يحلم به .. أخبريه يا أمي اني أدعو الله له أن يطيل فى عمره كي يحج لي وله حجةً أتطهر بها أمام 

الله .. إني خائفه جـــداً )ـ



   يتهدج صوت أمى وينقطع بسبب سوء الإرسال .. تختلج الأصوات في رأسي
والمشاعر في صدرى .. قلبى انقبض بشدة ولا يريد أن يعاود الإنبساط .. ما كل هذا الألم الذي تفشى فى جسدي دفعة واحدة .. ألأنها ماتت ؟!!

 أم لأنها ماتت قبل أن تدرى كم أحبببتها ؟!!



   توقف العالم كله الآن .. تتساقط الدموع من عينى وأنا جامد الملامح لا تتغير

نظرتي للأشياء أو للأشخاص
   لم أشعر بنفسى وأنا أضرب الحائط برأسي حتي شج ..
   لم أشعر بنفسى وانا أصرخ من الألم الذى يعتصر قلبي اعتصاراًَ .. لا أستطيع 

التنفس



   لم أشعر بنفسى والكل يحاولون تهدئتى وإحجام يدى وقدمى عن الحركة ..
   أركل كل ما يقرب منى .. لا أرى شيئاً سوى صورتها على فراش الموت
   يعلو صوتى بالنحيب ..
   يستوقفني د/ خالد بصرخة هادرة أن أتوقف
   تخدَّرت أطرافى قليلاً والدم يسيـل على وجهى .. فصار كل شىء بلون الدم
   يحاول تهدئتى ببعض كلماته اللينة التى تشبه المخدر أحياناً .. لكنها لا تؤتى ثماراً هذه المرة

   أصرخ فى وجهه وفى وجه كل الحاضرين :
   " ماذا تفعلون ؟؟!! .. لِمَ تتشبثون بالحياة وكلنا أموات ؟؟!! .. كلنا أموات يا دكتور !!! ..
   ما الفائدة من كل هذه العمليات ؟؟! .. لم تلحقون به أينما ذهب ؟؟!! .. أليس لكل منكم عائلة تحبه وتتمني أن يكون بجوارها الآن ؟؟!! , هو لا يحب أحداً إلا نفسه .. يترك أحبائه ويقضي آخر ساعاته مع أموات !
   ألا يُدرك أىّ منكم الحقيقـة ؟؟!!!!! .... "

   تردني كلماته كخنجرٍ بارد ثلم وبصوت هادر :
   " أنا لم أجبر أحداً أن يظل هنا .. من أراد منكم أن يرجع إلى بيته فليفعل , ولمن لا يعلم لِمَ مازلنا هنا .. لأننا جميعاً خائفون من الموت .. كلنا خائفون .. وكلنا يفعل ما استطاع ليغفر الله له قبل أن يلقاه ..
   وأنا لا أجيد سوى الطب .. لأكون سبباً فى إطاله حياة مريضٍ ساعةً واحدة يستغفر الله فيها قبل أن يلقاه خير لي من الجلوس فى دفء بيتى وأحضان عائلتى .. وأنت لولا أنى أعتبرك إبنى وأعلم الظرف الذى نحن فيه .. كنت سـأتصـرف معك تصرفـاً آخر ..ولكنى لن آخذ بكلامك الآن "
   يتوجه بالكلام إلى كل الحاضرين الذين جاءوا أثَرَ هذه المشادة :
   " بعد اذنكم .. كلٌ يرجع إلى مكانه .. المكان الذى يحب
   أياً كان أين هو .. كل منكم في حل من أي عقد ..
   نحن هنا تطوعاً .. فمن أراد أن يبقى فليبقى ومن أراد أن ينصرف فلينصرف ولن يحمل له أى منَّا أى ضغينة .. ولكن الآن عندى مريض أحتاج للإنقاذه "

   إنصرف الجميع مسرعين كل إلى مكانه وأنا أقف منحنى الظهر أبكى .. مازال الخبر يقتلني ولا أدرى كيف أوقف ذلك
   يقترب منى د/خالد بهدوء بعد أن صرف الباقين ..
   يضمني بين يديه .. يرتجف جسدي بشدة .. يبدو أنه أشفق علي :
   " أعلم أن الله قد اختارها للبقاء عنده حتى نلحق بها ..
   إن الله قد اختار لها مكاناً أفضل من الدنيـا.. وأنت يجب أن تتماسك قليلاً حتى أمام المرضى ..
   إدخل إلى غرفتك وعدِّل من ملابسك وتوضأ .. صلِّ لله ركعتين وادعُ الله أن يغفر لها ولك وأن يرزقك الثبات ..
   كلنا في حاجه إلى هاتين الركعتين .. أدعُ الله يا بنىّ هو أرحم بها وبك منا جميعاً "

   يقبل رأسي ويتركنى .. يعود إلي غرفة العمليات ليبدأ صلاته الخاصة
   أجر نفسى إلى غرفتى .. أجلس على السرير قليلاً .. لا تتوقف فى عينى الدموع ..
   أقوم من فوري وأتوضأ وأصلي .. أطيل السجود .. تنهمر من عيني الدموع كشلال لا ينقطع .. تتوقف الكلمات فى حلقى .. أعلم أن الله يعلم ما أريد أن أقول ..
   " ربِّ اغفر لى ولها
   ربَّ ما خشيت لقائك إلا لعلمى كم أذنبت .. إرزقني الثبات وجنةً بعد الممات أجتمع فيها مع سارة .. ربَّ أنت الأعلم أنى لم أكن لأتركها ..

   بعد مناجاة طالت .. فوجىء بي طاقم الأطباء في غرفه العمليات أدخل عليهم ومازال أثر البكاء على وجهى
   يخاطبنى د/ خالد ..
   " ماذا تفعل ؟؟ "
   أجيبه بثباتٍ وبصوت متهدِّج ..
   " لدىّ مريض لإنقاذه يا دكتور .. لأن أكون سبباً فى إطالة حياته ساعةً يستغفر الله فيها خير لى "

   تبينت فى أعينهم جميعاً الإبتسام ..
   أشرعُ في معاونتهم وفى قلبى أمنية واحدة ..

   أن يُطيل الله فى عمري حتى أحج لى ولها




من كتاب ( نهاية الأيام )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق